فندق ذا سانت ريجيس الدوحة

حين تقترب من ضفاف الخليج الغربي في الدوحة، يتجلى أمامك مبنى شامخ كأنّه سفينة بيضاء ترسو على حافة الأفق، يحمل في قلبه وعد بالفخامة، ووعد بالدهشة، ووعد بالخلود. إنّه فندق ذا سانت ريجيس الدوحة، المكان الذي لا يُستقبل فيه الضيف كزائر عابر، بل كحكاية تُضاف إلى أساطير المكان، وكأغنية تُعزف على وتر الليل الطويل.

الفندق ما بيشبه أي فندق آخر، هو ليس مجرد حجر وزجاج، إنما هو لوحة تُرسم كل يوم بفرشاة من الروائح، من الموسيقى، ومن خطوات العابرين. الهواء المحيط به يحمل رائحة البحر الممزوجة بنفحات ياسمين من حدائقه الصغيرة، وصوت الموج يختلط مع ضحكات الزوار، ليصنع سيمفونية لا تنتهي.


بوابة إلى عالم آخر

منذ اللحظة التي تخطو فيها إلى داخل الردهة، تشعر أنّك لم تعد في عالمك المعتاد. الأرضيات الرخامية تعكس الضوء كأنّها بحيرة ساكنة، والثريات المعلقة تتدلى مثل نجوم أسيرة، وعبير العود يتسرب في الممرات ليُذكّرك أن هذه أرض الشرق حيث الفخامة ليست مجرد تفاصيل، بل أسلوب حياة.

تسير بخطواتك فتسمع همسات موظفي الاستقبال، كلماتهم رقيقة لكنها حاسمة، كأنهم اعتادو أن يقرأوا حاجاتك قبل أن تنطقها. الخدم هنا، يسمونهم “باتلر”، ليسو مجرد موظفين، بل ظلّك الذي يرافقك، يسبقك أحياناً ليجعل مقعدك أكثر راحة، ويعطر وسادتك قبل أن يلامسها رأسك.


غرف ليست غرف، بل عوالم مصغرة

عدد الغرف في سانت ريجيس 336، لكن كل غرفة في الحقيقة هي عالم خاص، مصمم ليحكي قصة. الأقمشة الثقيلة المعلقة على النوافذ تحمل ألوان الغروب، والأسِرّة مفروشة بأغطية كأنّها غيمة تدعوك للغرق. الأصوات هنا خافتة، حتى الصمت يبدو أنيق.

وعندما تقف في الشرفة، تمتد أمامك مياه الخليج مثل صفحة كتاب مفتوحة، تعكس زرقة السماء وضوء النجوم. بعض الغرف تهمس بالهدوء، وبعضها الآخر يغريك بحفلة صغيرة على البحر، ولكن كلها تشترك في شيء واحد: أنّها تناديك أن لا تغادر.


المطاعم… تذوّق العالم من مقعدك

هنا لا تحتاج أن تسافر كي تتذوق ثقافات الأرض. مطعم هاكاسان يمنحك مطبخ كانتون الساحر، حيث تتراقص التوابل مثل نغمات بيانو. أستور غريل يقدّم اللحوم كأنّها تحية فرنسية كلاسيكية، في حين يأخذك سكاليني إلى شوارع روما بروائح الطماطم والريحان.

ولا يتوقف المشهد هنا، فهناك نكهات مكسيكية حادة في La Bodega Negra، وألوان هندية متلألئة في Rivaaj، ودفء يوناني في OPA. الطعام ليس مجرد أطباق، بل لوحة أخرى من الروائح والألوان، تُكتب على لسانك ثم تنزل إلى قلبك.

سبا “Remède”… رحلة إلى ما وراء الجسد

من يدخل إلى سبا “ريمدي” ينسى العالم. الإضاءة خافتة كأنها حلم، والروائح عطرية تُحاكي حدائق خفية. هناك 22 غرفة علاج، وكل غرفة تفتح باب إلى شكل جديد من الهدوء. التدليك هنا ليس مجرد لمس للعضلات، بل كأنه موسيقى تُعزف على أوتار روحك، فتخرج أخف، أهدأ، وربما أجمل.

حتى الممرات المؤدية للسبا، محاطة بأصوات المياه المتدفقة، كأنها همسات الطبيعة، تجعلك تشعر أن الزمن توقف، أو على الأقل قرر أن يتمهل قليلاً.

جوائز ليست مجرد أوسمة

ذا سانت ريجيس لم يُكرم عبثًا، بل لأنه استطاع أن يمزج ما بين الشرق والغرب في توليفة يصعب تكرارها. الجوائز التي نالها، من لقب أفضل فندق فاخر في قطر، إلى أفضل منتجع، ليست سوى انعكاس لما يرويه الضيوف بألسنتهم: التجربة هنا لا تشبه شيء.

ختام… الفندق كقصيدة

حين تغادر الفندق، تدرك أنّك لا تترك مكانًا، بل تترك وراءك قصيدة مكتوبة برائحة البحر، وصوت الكمان في صالة الجاز، ولمسة الحرير على أطراف أصابعك. تدرك أنّ الذاكرة قد احتفظت بكل التفاصيل: من الطعم الأول في مطعم هاكاسان، إلى آخر لحظة على شاطئ خاص.

ذا سانت ريجيس الدوحة ليس مجرد فندق خمس نجوم، بل هو ذاكرة مفتوحة، حلم يتكرر، ولوحة من رخام وضوء، تظل تلاحقك حتى وأنت بعيد. وربما، هذا هو سرّه الحقيقي: أنّه لا ينتهي عندما ترحل، بل يبدأ هناك… داخل قلبك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top